{وكلّ شيء عنده بمقدار} ولكي لا يتصوّر أحد أنّ هذه الزيادة والنقصان بدون حساب ودليل، بل انّ كلّ ساعة وثانية ولحظة لا تمرّ دون حساب، كما أنّ للجنين ودم الرحم حساب وكتاب أيضاً | وأما قوله تعالى:{ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ} فإنما دخل في الحديث لا بالقصد الأولي لكنه تعالى لما ذكر أن كل شيء عنده بمقدار وإن لكل إنسان معقبات يحفظونه بأمره من أمره ولا يدعونه يهلك أو يتغير أو يضطرب في وجوده والنعم التي أوتيها، وهم على حالهم من الله لا يغيرها عليهم حتى يغيروا ما بأنفسهم وجب أن يذكر أن هذا التغيير من السعادة إلى الشقاء ومن النعمة إلى النقمة أيضا من الأمور المحكمة المحتومة التي ليس لمانع أن يمنع من تحققها، وإنما أمره إلى الله لا حظ فيه لغيره، وبذلك يتم أن الناس لا مناص لهم من حكم الله في جانبي الخير والشر وهم مأخوذ عليهم وفي قبضته |
---|---|
صلى الله عليه وسلم |
قوله تعالى:{ سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} السرب بفتحتين والسروب الذهاب في حدور وسيلان الدمع والذهاب في مطلق الطريق يقال سرب سربا وسروبا نحو مر مرا ومرورا.
25فقد بان من جميع ما تقدم أن معنى الآية - على ما يعطيه السياق - والله أعلم - أن لكل من الناس على أي حال كان معقبات يعقبونه في مسيره إلى الله من بين يديه ومن خلفه أي في حاضر حاله وماضيه يحفظونه بأمر الله من أن يتغير حاله بهلاك أوفساد أو شقاء بأمر آخر من الله، وهذا الأمر الآخر الذي يغير الحال إنما يؤثر أثره إذا غير قوم ما بأنفسهم فعند ذلك يغير الله ما عندهم من نعمة ويريد بهم السوء وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له لأنهم لا والي لهم يلي أمرهم من دونه حتى يرد ما أراد الله بهم من سوء | على أنه يوجب عدم اتصال الآية بسوابقها ولم يتقدم للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم ذكر |
---|---|
والمتعال صفة من التعالي وهو المبالغة في العلو كما يدل عليه قوله:{ تَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا }: الأسراء: 43 فإن قوله:{علوا كبيرا} مفعول مطلق لقوله:{تعالى} وموضوع في محل قولنا:{تعاليا} فهو سبحانه علي ومتعال أما أنه علي فلأنه علا كل شيء وتسلط عليه والعلو هو التسلط، وأما أنه متعال فلأن له غاية العلو لأن علوه كبير بالنسبة إلى كل علو فهو العالي المتسلط على كان عال من كل جهة | والآية كالتفريع على الآية السابقة أي إذا كان الله سبحانه عالما بالغيب والشهادة على سواء فسواء منكم من أسر القول ومن جهر به أي بالقول والله سبحانه يعلم بقولهما ويسمع حديثهما من غير أن يخفى عليه إسرار من أسر بقوله، وسواء منكم من هو مستخف بالليل يستمد بظلمة الليل وإرخاء سدولها لأن يخفى من أعين الناظرين ومن هو سارب بالنهار ذاهب في طريقه متبرز غير مخف لنفسه فالله يعلم بهما من غير أن يخفى المستخفي بالليل بمكيدته |
ونُهي عن أكل الميت لأن لحم الميت بهذه الطرق خبيث ويحتوي على شرور تضر بالإنسان وتسبب له أمراضًا.
18وقوله:{وكل شيء عنده بمقدار} المقدار هو الحد الذي يحد به الشيء ويتعين ويمتاز به من غيره إذ لا ينفك الشيء الموجود عن تعين في نفسه وامتياز من غيره ولو لا ذلك لم يكن موجدا البتة | وبتعبير محيي الدين بن العربي : ان ما من موجود في العالم الا وله وجه خاص إلى موجده |
---|---|
الثالث: أن هناك أمرا آخر يرصد الناس لتغيير ما عندهم وقد ذكر الله سبحانه من شأن هذا الأمر أنه يؤثر فيما إذا غير قوم ما بأنفسهم فعند ذلك يغير الله ما بهم من نعمة بهذا الأمر الذي يرصدهم، ومن موارد تأثيره مجيء الأجل المسمى الذي لا يختلف ولا يتخلف، قال تعالى:{ مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى}: الأحقاف: 3 وقال:{إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر}: نوح: 4 | فالمعنى: وإذا أراد الله بقوم سوء ولا يريد ذلك إلا إذا غيروا ما بأنفسهم من سمات معبودية ومقتضيات الفطرة فلا مرد لذلك السوء من شقاء أو نقمة أو نكال |
{ ومن هو مستخف بالليل وسارت بالنهار } أي: ومن هومستتر متوار بالليل ومن هوسالك في سربه أي: في مذهبه ماض في حوائجه بالنهار معناه: أنه يرى ما أخفته ظلمة الليل كما يرى ما أظهره ضوء النهار بخلاف المخلوقين الذين يخفي عليهم الليل أحوال أهله وقال الحسن: معناه ومن هو مستتر بالليل ومن هومستتر بالنهار وصحح الزجاج هذا القول لأن العرب تقول: انسرب الوحش إذا دخل في كناسة { له معقبات } اختلف في الضمير الذي في {له} على وجوه أحدها: أنه يعود إلى {من} في قوله { من أسر القول ومن جهر به } والآخر :أنه يعود إلى اسم الله تعالى وهوعالم الغيب والشهادة وثالثها : أنه يعود إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم في قوله { إنما أنت منذر } عن ابن زيد.
7