الصبر كان الإمام مالك صبوراً مثابراً، مغالباً لكل الصعاب، غالَبَ الفقر حتى باع أخشاب سقف بيته في سبيل العلم، وكان يذهب في الهجير إلى بيوت العلماء، ينتظر خروجهم، ويتبعهم حتى المسجد، وكان يجلس على باب دار شيخه في شدة البرد، ويتقي برد المجلس بوسادة يجلس عليها، وكان يقول: «لا يبلغ أحد ما يريد من هذا العلم حتى يضر به الفقر، ويؤثره على كل حال» | |
---|---|
فضله دخل ثابت البُنَاني على أنس بن مالك -رضي الله عنه- فقال: رأتْ عيْناك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ؟! ولقد قال : سأل رجل مالكاً عن مسألة، وذكر أنه أُرسل فيها من مسيرة ستة أشهر من ، فقال له: «أخبر الذي أرسلك أن لا علم لي بها»، فقال: «ومن يعلمها؟»، قال: «الذي علمه الله» |
هذا أُنيس ابني غلام لبيب كاتب، أتيتك به يخدمك، فادع الله له»، فقبله النبي محمد، ودعا له قائلاً: «اللهم أكثر ماله وولده وأطل عمره واغفر ذنبه» | خدم أنس بن مالك النبي محمد مدة مقامه بالمدينة عشر سنين، عامله فيها النبي محمد معاملة الولد، وكنّاه أبو حمزة، فكان يخصّه ببعض أحاديثه، وأحيانًا ما كان يناديه «يا بني»، وما عاتبه على شئ فعله، وما ضربه قط |
---|---|
لقد كانت المدينة المنورة في عصر مالك مهداً للعلم، إذ كان بها عدد من التابعين، وقد لازم مالك ابن هرمز ملازمة لم يخلطه فيها بغيره، ثم اتجه إلى الأخذ من غيره من العلماء مع مجالسة شيخه الأول، فوجد في بغيته، فجالسه مع مجالسة ابن هرمز وأخذ عنه علماً كثيراً، قال الإمام مالك: «كنت آتي نافعاً نصف النهار، وما تظلني الشجرة من الشمس أتحيَّن خروجه، فإذا خرج أدعه ساعة، كأني لم أره، ثم أتعرض له فأسلم عليه وأدعه، حتى إذا دخل أقول له: «كيف قال في كذا وكذا؟»، فيجيبني، ثم أحبس عنه، وكان فيه حدة» |
انتشاره في المغرب الأقصى لما تولى اشتد إيثاره لأهل الفقه والدين، فكان لا يقطع أمراً في جميع مملكته دون مشاورة الفقهاء، وألزم القضاة بأن لا يتبوَّأ حكومةً في صغير الأمور وكبيرها إلا بمحضر أربعة من الفقهاء، فعظم أمر الفقهاء، ولم يكن يُقرب منه ويحظى عنده إلا من علم مذهب مالك، فنفقت في زمنه كتب المذهب، وعمل بمقتضاها ونبذ ما سواها، وكثر ذلك حتى نُسي القرآن الكريم والحديث النبوي، فلم يكن أحد يعتني بهما كل الاعتناء، وهكذا انتشر المذهب بحمل هشام بن عبد الرحمن عليه بالسيف كما تقدم، وابن تاشفين حمل عليه بتقريبه من حفظ فروع المذهب المالكي، فانتشر بذلك، حتى قال ابن حزم: «مذهبان انتشرا في بدء أمرهما بالرئاسة والسلطان: الحنفي بالمشرق والمالكي بالأندلس».
24وقال الإمام مالك: ساء حفظ الناس، لقد كنت آتي سعيد بن المسيب وعروة والقاسم وأبا سلمة وحميداً وسالماً -وعدَّد جماعة- فأدور عليهم، أسمع من كل واحد من الخمسين حديثاً إلى المئة، ثم أنصرف وقد حفظته كله من غير أن أخلط حديث هذا في حديث هذا | ولقد قال أحد تلاميذه: «كان في مالك فراسةٌ لا تخطئ» |
---|---|
الصحابي الجليل أنس بن مالك هو أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي النجاري من بني عدي بن النجار، وُلد أنس قبل الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة بعشر سنوات، وكان يُكنَّى بأبي حمزة، وقد لُقِّب أنس بخادم رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وكان فخورًا بهذا اللقب، أمُّه هي أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام، وأخوه البراء بن مالك وزيد بن مالك أيضًا، لازم أنس رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- عشر سنوات، منذ أن هاجر المسلمون إلى المدينة حيث كان عمر أنس عشر سنوات حتَى وفاة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- سنة 11 للهجرة، وكان عمر أنس عشرين عامًا تقريبًا، كان يكتم سرَّ رسول الله ويخدمه بكلِّ ما أوتي من صدق وأمانة وحُب، وقد روى عنه الكثير من الأحاديث التي أورد منها ومسلم في صحيحَيْهِما قرابة مئة وثمانين حديثًا، وقد عاش أنس بن مالك -رضي الله عنه- عمرًا طويلًا، حتَى بلغ خلافة بن مروان، ورحل إلى دمشق والبصرة، وكان آخر من مات من صحابة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في البصرة، حيث تشير الروايات إلى أنَّه توفِّي سنة 93 للهجرة، والله أعلم |
وقال لابن وهب: «اتق الله واقتصر على علمك، فإنه لم يقتصر أحد على علمه إلا نفع وانتفع، فإن كنت تريد بما طلبت ما عند الله فقد أصبت ما تنتفع به، وإن كنت تريد بما تعلمت الدنيا فليس في يدك شيء».