وحينئذٍ يكون من المهمِّ أن نَعرفَ العناصر التي يتحقَّق بها هذا التوحيد، والتي إن توفَّرت في شخصٍ، كان توحيدُه كاملاً | وفي الختام نتمنى منكم مزيدا من المتابعة للحصول على المزيد من الاجابات المفيدة والمثالية لجميع اسئلتكم، فانتظرونا دوما لتجدوا كل ما هو جديد ومميز |
---|---|
الثاني: التقرُّب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض؛ فإنها تُوصِّله إلى درجة المحبوبيَّة بعد المحبَّة | هذه الآية اشتمَلتْ على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم؛ فيما بينهم بعضهم بعضًا، وفيما بينهم وبين ربِّهم، فإن كلَّ عبدٍ لا يَنفك عن هاتين الحالتين، وهذان الواجبان: واجب بينه وبين الله، وواجب بينه وبين الخلْق؛ فأمَّا ما بينه وبين الخلْق؛ من المُعاشرة، والمعاونة، والصُّحبة، فالواجب عليه فيها أنَّ يكون اجتماعه بهم وصُحبته لهم، تعاونًا على مرضاة الله وطاعته، التي هي غاية سعادة العبد وفلاحه، ولا سعادةَ له إلاَّ بها، وهي البر والتقوى اللذان هما جِماع الدين كلِّه، وإذا أُفْرِد كلُّ واحدٍ من الاسمين، دخَل في مسمَّى الآخر؛ إمَّا تضمُّنًا، وإمَّا لزومًا، ودخوله فيه تضمُّنًا أظهرُ؛ لأنَّ البر جزء مُسمَّى التقوى، وكذلك التقوى جزء مسمَّى البر، وكون أحدهما لا يدخل في الآخر عند الاقتران، لا يدلُّ على أنه لا يدخل عند انفراد الآخر، ونظير هذا لفظُ الإيمان والإسلام، والإيمان والعمل الصالح، والفقير والمسكين، والفسوق والعِصيان، والمنكر والفاحشة، ونظائره كثيرة |
ولهذا لا يَكمُل إيمانُ أحدٍ؛ حتى يكون رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين، وحتى يحبَّ المرءَ لا يحبه إلاَّ لله، وحتى يكون اللهُ ورسولُه -صلى الله عليه وسلم- أحبَّ إليه مما سواهما، فيُؤثِر مَرضاتهما على مَرضاة كلِّ أحدٍ، ويُقدِّم أمرَهما وحُكمَهما على أمر كلِّ أحدٍ وحُكمه؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين: « ثلاثٌ مَن كنَّ فيه، وجَد حلاوة : أن يكونَ الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحبَّ المرءَ لا يحبُّه إلاَّ لله، وأن يَكره أن يعودَ إلى الكفر - بعد إذ أنْقَذه الله منه - كما يَكره أن يُقذَف في النار».
23ومن هذه العبادات القلبيَّة أيضًا: التوبة، والمُراقبة، والمحاسبة، والتفكير، والإخبات، والذل، والزهد، والوَرع، وتعظيم حُرمات الله، والتواضُع والافتقار إلى الله، والغنى عن الخلْق، والشوق إلى لقاء الله، وغيرها من العبادات التي تُؤدَّى بالقلب، وكذلك كفُّ القلب عن المحرَّمات؛ كالحسد، والغل، والضغينة، والرياء، وسوء الظنِّ بالله، والشك، والإصرار على المعاصي، وسوء الظن بالمسلمين، ومودَّة الكافرين، وغير ذلك | المقصود بتوحيد الألوهية هو الإيمان بالله عز وجل هو لا إله إلا هو وحده لا شريك له ولا خوف إلا منه سبحانه وتعالى كما قال الله عز وجل: إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين |
---|---|
فتبيَّن بهذا أنه يجب علينا أن نُفرِّق بين نوعين من الخوف: الخوف الفطري، والخوف التعبُّدي؛ فإن الخوف عارضٌ يُصيب البشرَ وكثيرًا من المخلوقات، لكنَّه داخلٌ في التكليف للمُكلَّفين؛ ولذا جاء الأمر به والنهي عنه - كما سبَق آنفًا - والخوف منه ما هو فطري؛ كالخوف من اللص، أو من ، أو من سلطان غاشمٍ، أو من الثعبان، أو من الكلب العقور، أو من غضب الوالدين | فجعَل علامة حبِّهم لله أن يُتابعوا رسوله، وأن يكون هواهم تابعًا لِما جاء به، ووَعَدهم على ذلك حبَّه لهم، ومَغفرته لذنوبهم؛ قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الترمذي بسند حسنٍ: « اللهمَّ ارْزُقني حبَّك، وحبَّ مَن يَنفعني حبُّه عندك، اللهمَّ ما رَزَقْتَني مما أحبُّ، فاجْعَله قوَّة لي فيما تحبُّ، وما زَويتَ عنِّي مما أحبُّ، فاجْعَله فراغًا لي فيما تحبُّ» |
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا خاف قومًا قال: اللهمَّ إنَّا نَجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم ؛ كما رواه أبو داود والنسائي وأحمد، وصحَّحه الحاكم ووافَقه الذهبي | وصحيح البخاري رقم 4714 |
---|---|
وأما الآية الثانية فقد بين الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مناسبة نزولها التي توضح معناها فقال: " نزلت في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجن، فأسلم الجنيون، والإنس الذين يعبدونهم لا يشعرون" صحيح مسلم برقم 3030 | والدعاء من الأعمال الصالحة التي تنقطع بالموت |
ولا يَنبغي للوُعَّاظ والدُّعاة أن يَخلطوا بين الخوف التعبُّدي والخوف الفطري، فمَن اعتقَد أنَّ بعض المخلوقات تضرُّه بمشيئتها وقُدرتها، فخاف منها، فقد أشرَك بالله تعالى، وهذا القيد للتمييز بين خوف العبادة والخوف الفطري، فالأول لا يَصِحُّ إلاَّ لله تعالى، ومعناه: أن يَعتقد الإنسان أنَّ القادر على الضُّر بمشيئته وقُدرته هو الله، وغيره لا يضرُّ ولا ينفع، إلاَّ أنْ يَجعله الله سببًا للضر والنفع.